کد مطلب:352956 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:235

عمر بن الخطاب یتشدد أکثر من صاحبه فی الحدیث عن رسول الله و یمنع الناس من نقله
لقد رأینا سیاسة أبی بكر فی منع الحدیث حتی وصل به الأمر أن أحرق المجموعة

التی جمعت علی عهده وهی خمسمائة حدیث لئلا تتفشی عند الصحابة وغیرهم من المسلمین الذین كانوا یتعطشون لمعرفة سنة نبیهم صلی الله علیه وآله وسلم، ولما ولی عمر الخلافة بأمر من أبی بكر، كان علیه أن یتوخی نفس السیاسة ولكن بأسلوبه المعروف بالشدة والغلظة، فلم یقتصر علی حظر ومنع تدوین الحدیث ونقله فحسب بل تهدد وتوعد وضرب أیضا واستعمل فرض الحصار هو الآخر. روی ابن ماجة فی سننه من الجزء الأول باب التوقی فی الحدیث. قال: عن قرظة بن كعب، بعثنا عمر بن الخطاب إلی الكوفة وشیعنا فمشی معنا إلی موضع صرار، فقال: أتدرون لم مشیت معكم؟ قال: قلنا لحق صحبة رسول الله، ولحق الأنصار، قال: لكنی مشیت معكم لحدیث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشای معكم، إنكم تقدمون علی قوم للقرآن فی صدورهم هزیز كهزیز المرجل، فإذا رأوكم مدوا إلیكم أعناقهم، وقالوا أصحاب محمد!. فأقلوا الروایة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثم أنا شریككم. فلما قدم قرظة بن كعب قالوا: حدثنا، قال: نهانا عمر [1] كما روی



[ صفحه 204]



مسلم فی صحیحه فی كتاب الآداب، باب الاستئذان بأن عمر هدد أبا موسی الأشعری بالضرب من أجل حدیث رواه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال أبو سعید الخدری كنا فی مجلس عند أبی بن كعب فأتی أبو موسی الأشعری مغضبا حتی وقف فقال: أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول: الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع قال أبی وما ذاك، قال: استأذنت علی عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم یؤذن لی فرجعت، ثم جئته الیوم فدخلت علیه فأخبرته أنی جئت بالأمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت، قال: قد سمعناك ونحن حینئذ علی شغل فلو ما استأذنت حتی یؤذن لك، قلت استأذنت كما سمعت رسول الله صلی الله عیه وآله وسلم: قال فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتین بمن یشهد لك علی هذا، فقال أبی بن كعب فوالله لا یقوم معك إلا أحدثنا سنا قم یا أبا سعید فقمت حتی أتیت عمر فقلت: قد سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول هذا. وروی البخاری هذه الحادثة ولكنه كعادته بترها وحذف منها تهدید عمر بضرب أبی موسی كعادته حفاظا علی كرامته [2] مع أن مسلم فی صحیحه زاد قول أبی بن كعب لعمر:

یا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا علی أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وقد روی الذهبی فی تذكرة الحفاظ من جزئه الأول الصفحة الرابعة عن أبی سلمة قال: قلت لأبی هریرة: أكنت تحدث فی زمان عمر هذا؟ فقال: لو كنت أحدث فی زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربنی بمغفقته. كما أن عمر بعد منع الحدیث والتهدید بالضرب أقدم هو الآخر علی



[ صفحه 205]



حرق ما دونه الصحابة من الأحادیث. فقد خطب الناس یوما قائلا: أیها الناس، إنه قد بلغنی أنه قد ظهرت فی أیدیكم كتب فأحبها إلی الله أعدلها وأقومها فلا یبقین أحد عنده كتابا إلا أتانی به فأری فیه رأیی، فظنوا أنه یرید النظر فیها لیقومها علی أمر لا یكون فیه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار [3] كما أخرج

ابن عبد البر فی كتاب جامع بیان العلم وفضله، أن عمر بن الخطاب أراد أن یكتب السنة ثم بدا له أن لا یكتبها ثم كتب إلی الأمصار من كان عنده شئ فلیمحه. ولما أعیته الحیلة ورغم تهدیده ووعیده ومنعه وتحریمه وحرقه كتب الأحادیث بقی بعض من الصحابة یحدثون بما سمعوا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عندما یلتقون فی أسفارهم خارج المدینة بالناس اللذین یسألونهم عن أحادیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم رأی عمر أن یحبس هؤلاء النفر فی المدینة ویضرب علیهم حصارا وإقامة جبریة. فقد روی ابن إسحاق عن بعد الرحمن بن عوف. قال: والله ما مات عمر حتی بعث إلی أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذیفة وأبی الدرداء وأبی ذر الغفاری وعقبة بن عامر. فقال: ما هذه الأحادیث التی قد أفشیتم عن رسول الله فی الآفاق، قالوا: تنهانا؟ قال: لا أقیموا عندی، لا والله لا تفارقونی ما عشت [4] .

ثم جاء بعده ثالث الخلفاء عثمان الذی اتبع نفس الطریق وسلك ما سطره له صاحباه من قبل. فصعد علی المنبر وأعلن صراحة قوله: لا یحل لأحد أن یروی حدیثا عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم أسمع به فی عهد أبی بكر وعمر [5] .



[ صفحه 206]



وهكذا دام الحصار طیلة حیاة الخلفاء الثلاثة وهی خمسة وعشرون عاما ویا لیته كان حصارا فی تلك المدة فحسب ولكنه تواصل بعد ذلك وعندما جاء معاویة للحكم صعد المنبر هو الآخر وقال: إیاكم وأحادیث إلا حدیثا كان فی عهد عمر فإن عمر كان یخیف الناس فی الله عز وجل. الحدیث أخرجه مسلم فی صحیحه. فی كتاب الزكاة باب النهی عن المسألة من جزئه الثالث. ونهج الخلفاء الأمویون علی هذا المنوال فمنعوا أحادیث الرسول الصحیحة وتفننوا فی وضع الأحادیث المزورة والمكذوبة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی ابتلی المسلمون فی كل العصور بالمتناقضات وبالأساطیر والمخاریق التی لا تمت للإسلام بشئ، وإلیك ما نقله المدائنی فی كتابه الأحداث قال: كتب معاویة نسخة واحدة إلی عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روی شیئا من فضل أبی تراب وأهل بیته (یقصد علی بن أبی طالب) فقام الخطباء فی كل كورة وعلی كل منبر یلعنون علیا ویبرؤون منه ویقعون فیه وفی أهل بیته. ثم كتب معاویة إلی عماله فی جمیع الآفاق: أن لا یجیزوا لأحد من شیعة علی وأهل بیته شهادة، ثم كتب إلیهم: أن انظروا من قبلكم من شیعة عثمان ومحبیه، وأهل ولایته والذین یروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إلی بكل ما یروی كل رجل منهم واسمه واسم أبیه وعشیرته. ففعلوا ذلك حتی أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه، لما كان یبعثه إلیهم معاویة من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ویفیضه فی العرب منهم والموالی، فكثر ذلك فی كل مصر وتنافسوا فی المنازل والدنیا فلا یأتی أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاویة، فیروی فی عثمان فضیلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حینا. ثم كتب



[ صفحه 207]



معاویة إلی عماله: أن الحدیث فی عثمان قد كثر وفشا فی كل مصر وفی كل وجه وناحیة، إذا جاءكم كتابی هذا فادعوا الناس إلی الروایة فی فضائل الصحابة والخلفاء الأولین، ولا تتركوا خبرا یرویه أحد من المسلمین فی أبی تراب إلا وتأتونی بمناقض له فی الصحابة، فإن هذا أحب إلی وأقر لعینی وأدحض لحجة أبی تراب وشیعته وأشد علیهم من مناقب عثمان وفضله. فقرأت كتبه علی الناس، فرویت أخبارا كثیرة فی مناقب الصحابة مفتعلة لا حقیقة لها، وجد الناس فی روایة ما یجری هذا المجری حتی أشادوا بذكر ذلك علی المنابر، وألقی إلی معلمی الكتاتیب فعلموا صبیانهم وغلمانهم حتی رووه وتعلموه كما یتعلمون القرآن، وحتی علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله. ثم كتب إلی عماله نسخة واحدة إلی جمیع البلدان: أنظروا من قامت علیه البینة أنه یحب علیا وأهل بیته، فامحوا اسمه من الدیوان وأسقطوا عطاءه ورزقه ثم شفع ذلك بنسخة أخری: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به، واهدموا داره فلم یكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سیما بالكوفة، حتی أن الرجل من شیعة علی لیأتیه من یثق به فیدخل بیته فیلقی إلیه سره ویخاف من خادمه ومملوكه ولا یحدثه حتی یأخذ علیه الأیمان الغلیظة، لیكتمن علیه. فظهر حدیث كثیر موضوع وبهتان منتشر، ومضی علی ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس بلیة القراء المراؤون والمستضعفون الذین یظهرون الخشوع والنسك فیفتعلون الأحادیث لیحظوا بذلك عند ولاتهم، ویقربوا مجالسهم ویصیبوا به الأموال والضیاع والمنازل حتی انتقلت تلك الأخبار والأحادیث إلی أیدی الدیانین، الذین لا یستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم یظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدینوا بها [6] .



[ صفحه 208]



وأقول بأن المسؤولیة فی كل ذلك یتحملها أبو بكر وعمر وعثمان الذین منعوا من كتابة الأحادیث الصحیحة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بدعوی خوفهم بأن لا تختلط السنة بالقرآن هذا ما یقوله أنصارهم والمدافعون عنهم وهذه الدعوی تضحك المجانین وهل القرآن والسنة سكر وملح إذا ما اختلطا فلا یمكن فصل أحدهما عن الآخر وحتی السكر والملح لا یختلطان لأن كل واحد محفوظ فی علبته الخاصة به فهل غاب عن الخلفاء أن یكتبوا القرآن فی مصحف خاص به والسنة النبویة فی كتاب خاص بها كما هو الحال عندنا الیوم ومنذ دونت الأحادیث فی عهد عمر بن عبد العزیز رضی الله عنه. فلماذا لم تختلط السنة بالقرآن رغم أن كتب الحدیث تعد بالمئات فصحیح البخاری لا یختلط بصحیح مسلم وهذا لا یختلط بمسند أحمد ولا بموطأ الإمام مالك فضلا عن أن یختلط القرآن الكریم. فهذه حجة واهیة كبیت العنكبوت لا تقوم علی دلیل بل الدلیل علی عكسها أوضح فقد روی الزهری عن عروة أن عمر بن الخطاب أراد أن یكتب السنن فاستفتی أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأشاروا علیه أن یكتبها فطفق عمر یستخیر الله فیها شهرا، ثم أصبح یوما فقال: إنی كنت أرید أن أكتب السنن، وإنی ذكرت قوما قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا علیها وتركوا كتاب الله، وإنی والله لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا [7] .

أنظر أیها القارئ إلی هذه الروایة كیف أشار أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی عمر بأن یكتب السنن، وخالفهم جمیعا واستبد برأیه. بدعوی أن قوما قبلهم كتبوا كتبا فأكبوا علیها. وتركوا كتاب الله، فأین هی دعوی الشوری التی یتشدق بها أهل السنة والجماعة، ثم أین هؤلاء القوم الذین أكبوا علی كتبهم وتركوا كتاب الله. لم نسمع بهم إلا فی



[ صفحه 209]



خیال عمر بن الخطاب وعلی فرض وجود هؤلاء القوم فلا وجه للمقارنة إذ أنهم كتبوا كتبا من عند أنفسهم لتحریف كتاب الله فقد جاء فی القرآن الكریم: فویل للذین یكتبون الكتاب بأیدیهم ثم یقولون هذا من عند الله لیشتروا به ثمنا قلیلا فویل لهم مما كتبت أیدیهم وویل لهم مما یكسبون [البقرة: 79]. أما كتابة السنن فلیست كذلك لأنها صادرة عن نبی معصوم لا ینطق عن الهوی إن هو إلا وحی یوحی وهی مبینة ومفسرة لكتاب الله. قال تعالی: وأنزلنا إلیك الذكر لتبین للناس ما نزل إلیهم [النحل: 44]. وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أوتیت القرآن ومثله معه وهذا أمر بدیهی لكل من عرف القرآن فلیس هناك الصلوات الخمس ولا الزكاة بمقادیرها ولا أحكام الصوم ولا أحكام الحج إلا كثیر من الأحكام التی بینها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولكل ذلك قال الله تعالی: ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونی یحببكم الله. ولیت عمر عرف كتاب الله وأكب علیه لیتعلم منه الامتثال إلی أوامر الرسول ولا یناقشها ولا یطعن فیها [8] .

ولیته عرف كتاب الله وأكب علیه لیتعلم منه حكم الكلالة [9] التی ما عرفها

حتی مات وحكم فیها أیام خلافته بأحكام متعددة ومتناقضة ولیته عرف كتاب الله وأكب علیه لیتعلم منه حكم التیمم الذی ما عرفه حتی أیام خلافته وكان یفتی بترك الصلاة لمن لم یجد الماء [10] ولیته عرف كتاب الله وأكب علیه لیتعلم منه حكم

الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسریح بإحسان



[ صفحه 210]



والذی جعله هو طلقة واحدة [11] وعارض برأیه واجتهاده أحكام الله وضرب بها عرض

الحائط. والحقیقة التی لا مجال لدفعها هی أن الخلفاء منعوا من انتشار الأحادیث وهددوا من یتحدث بها وضربوا علیها الحصار لأنها تفضح مخططاتهم وتكشف مؤامراتهم ولا یجدون مجالا لتأویلها كما یتأولون القرآن، لأن كتاب الله صامت وحمال أوجه، أما السنن النبویة فهی أقوال وأفعال النبی صلی الله علیه وآله وسلم فلا یمكن لأحد من الناس دفعها. ولذلك قال أمیر المؤمنین علی لابن عباس عندما بعثه للاحتجاج علی الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ویقولون، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن یجدوا عنها محیصا [12] .


[1] الذهبي في تذكرة الحفاظ: 1 / 3 - 4.

[2] صحيح البخاري في كتاب الاستئذان باب التسليم والاستئذان ثلاثا.

[3] الطبقات الكبري لابن سعد: 5 / 188 والخطيب البغدادي في تقييد العلم.

[4] كنز العمال: 5 / 239.

[5] مسند الغمام أحمد بن حنبل: 1 / 363.

[6] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 11 / 46.

[7] ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله. كنز العمال: 5 / 239. وابن سعد من طريق الزهري.

[8] صحيح البخاري: 1 / 37 باب كتابة العلم. و: 5 / 138.

[9] سنن البيهقي وكنز العمال: 6 / 15. صحيح مسلم كتاب الفرائض باب ميراث الكلالة.

[10] صحيح البخاري: 1 / 90. ومسلم: 1 / 193 باب التيمم.

[11] صحيح مسلم في كتاب الطلاق باب طلاق الثلاث من جزئه الأول.

[12] كتاب علي بن أبي طالب لابن عباس نهج البلاغة: 1 / 77.